قصائد شعر حديثة

مراكب بلا أشرعة منال رضوان

مراكب بلا أشرعة منال رضوان
مراكب بلا أشرعة منال رضوان

 

قصة مراكب بلا أشرعة منال رضوان

 

أقبع هنا منذ أن تحطَّم مركبي في هذه القريةٍ النائيةٍ غريبة الأطوار؛ حيث الخيام بلا أوتاد والمراكب بلا أشرعة، والظلام.
– الظلام.
يُقسمون هنا أنهم يعلمون النزر اليسير عن الضوء!
بل إن أحدهم يروي عن أجداده، أنهم كانوا ينيرون دروبهم بمصابيح عملاقة تقترب من حجم القمر، عبثًا حاولت أن أخبره عن حقيقة حجم القمر؛ لكنني وجدته بلا أذنين تسمعان، كذلك جميعهم، أقيم معهم طوال أعوامي الفائتة منذ أن ضربت قدماي أرضهم ولا يستمعون.
– الصمت.
هنا لا مكان لحديث الغرباء، فقط يكتفون برجع من نصوص ألفوا عليها آباءهم.
– الوحدة.
أتجول صبيحة كل يوم في أرجاء القرية، لكنني أتلكأ أمام أحد الدكاكين لبيع أواني الطهي النحاسية، تبدو طازجة اللون براقة تعكس دومًا أشعة الشمس صورتي عليها والتي اعتدت أن أراها من دون المرايا.
– الخطيئة.
هنا، المرآة جريمة ولا يحفظون عنها سوى نص واحد
(كان أحد الغرباء يحملها بطيات ملابسه، وكلما أراد فتاة من فتيات القرية، جعلها ترى إنعكاس صورتها بجانب ماء النهر)
– اللعنة.
يصمتون لبرهة ممسكين بحجرٍ يرجمون الموجات الهادئة، ثم يعودون ليرددوا عبارة واحدة (المرايا من الشيطان وماء النهر دواء للدنس)
لذا هم يقومون بإحراق كل من يحمل مرآة من الغرباء.
أحتفظ بواحدة وقد خبأتها في خيمتي ولم أجرؤ على التطلع فيها منذاك اليوم الذي تعلمت فيه نص “خطيئة المرايا”.
كما أنني أملك خيمة صغيرة، وإن كانوا ينصبون خيامهم بتراتيل من كاهن القرية.. وهي تعاويذ قديمة بكتاب من نسخة واحدة محفوظة بدماغه.
لم أكسب ودهم، وأبدًا لم أسع؛ بل ربما أثرت شفقتهم لأنني جاهلة بعراقة تاريخهم، كما أنهم لم يعودوا يأمنون شططي منذ أن أخبرتهم أنه ببعض الأخشاب يمكننا أن نصنع أوتادًا وأشرعة.
– الحكم.
فتولواْ عني وحذرني كبيرهم بأن أتجول صامتةً إلى أن يأتي مركب ملعون يحمل ساري الشيطان يرحل بي دون أن تدنس كلماتي عقولهم البيضاء وأنه يصلي ليل نهار كي أغادرهم بلعناتي.
هنا لم يكن لي صديقة سوى أوناي، فتاة صغيرة لديها من الأعوام ملء الكف الواحدة إذا ما نصبت أصابعها كأشرعة صغيرة صوب الشمس، ذات ابتسامة نقية تركض عندما تشاهدني لترتمي في صدري تُقَبل خدي ويدي وأحاول أن أجعلها لا تفعل؛ فتضحك وتعود لتقفز في مرحٍ ضاربة الأرض بوتديها الرفيعين، لكزات أوناي قوية مقارنة بغيرها من أطفال القرية يحاول بعض الأشخاص إبعادها عن مؤانستي لكنها تضربهم بالأحجار الصغيرة التي تلعب بها نُقلتها منفردة فينصرفون تباعا مخافة أبيها القاضي.
– الموت.
لا تخشى شيئا كما أنها لم تحفظ بعد باب نصوص الخوف، ولا تعرف سوى اللهو بحجارتها كما أنها لا تلاطف العيال، أذكر أنني صنعت لها دمية من الأقمشة البالية فابتسمت جاذبة ذراعي لتلقي بها في النهر ساخرة وعادت تلملم أشلاء حجارتها بِحِجِرْ جلبابها الصغير،
منذ ذاك اليوم وأنا أعاملها بالاحترام الواجب وأقبل أشرعة راحتها الصغيرة، كما أنني أدق بصوت خافت بعض النغمات؛ لتضرب بوتديها الأرض.
– الرحيل.
صباح اليوم سأغادر قريتهم، جاء المركب ليحملني بعد أن استجابت السماء لصلوات حكيمهم.
يستشعرون الراحة بالطبع، غير أنهم مازلوا على حالهم من الكرم؛ إذ ودعوني بزهورٍ صغيرةٍ، جرة ماء وبعض التمر قبل أن يتلاشوا.
– نهاية.
تقف أوناي على الشاطيء تبكي وحيدة، ألقيت إليها مرآتي بسرعة؛ لتشاهد صورتها بعيدا عن دكان النَحَّاس.
ابتسمت للمرة الأولى وعادت ترقص ضاربة الأرض بوتديها، لكنها لم تعد تعبأ لرحيلي،
حسنًا قد فعلت.

قصص قصيرة جدا
منال رضوان / مصر
مراكب بلا أشرعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى